فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: عندما عميت عين الفرزدق من طينة نساء الغدير!! الأربعاء مارس 12, 2008 1:45 am | |
| [size=18] (ابنة العم) في تاريخ العشاق من الشعراء!! (1)
بقلم: محمد خضر الشريف *
يمتليء تاريخ المحبين من الشعراء العرب بنماذج صارخة من الحب الذي يصل إلى العشق، بل والوله، ولا نبالغ إن قلنا إلى درجة الجنون!!
وسأضرب صفحا عن مشاهير الشعراء العشاق لبنات العم وعلى رأسهم عنترة بن شداد مع ابنة عمه عبلة ابنة مالك، الذي لم ينس ذكرها في مواطن الموت الأحمر، والرماح نواهل منه وبيض الهند- السيوف- تقطر من دمه، كما وصف ذلك في معلقته الشهيرة، وكذلك قيس بن الملوح مع ابنة عمه ليلى العامرية الذي كان ييمم في صلاته نحوها وإن كان المصلى وراءه، ولايدري أثنتين صلى الضحي أم ثمانيا؟!!
وذلك لضيق المساحة المخصصة للمقال، من ناحية ، وللشهرة التي اعترت هذين النموذجين من كثرة ما قيل وكتب عنهما في تاريخ الأدب العربي من جهة ثانية..
وسأستعرض معكم نماذج مطمورة لم يسمع بها سوى القليل من غير المهتمين بصنعة الأدب وتقصي تاريخ الأدباء عموما والشعراء خصوصا، ولعلي أخلص من هذا كله إلى أن (ابنة العم) كانت عاملا مشتركا بين كثير من شعراء الحب عبر أعصر عدة من تاريخنا الأدبي العربي، جاهليا وإسلاميا، وربما زخر العصران الأموي والعباسي بالكثير من هذه القصص الرائعة التي تؤيد ما ذ هبت إليه من أن (ابنة العم) -وليست ابنة الخال أو ابنة الخالة مثلا- هي بطلة قصص هؤلاء الشعراء مما جعل قرائحهم تجود بالكثير الكثير من الشعر الراقي جدا والأكثر إجادة ورونقا، سجلها لنا التاريخ ويجعلنا نفخر بأدبها بين الأداب العالمية الأخرى، ولا نكون مبالغين إن قلنا إن أدبنا في هذه المساحة قد بز الأداب الأخرى وتفوق عليها تفوقا كبيرا.
وقد ظهر ذلك جليا في تلك الأبيات التي جادت بها تلك القرائح الشاعرية من أبطال القصص، الذين أصاب بعضهم الجنون ووصلت بهم الأحوال إلى ( الهوس) بالمحبوبة مما جعلهم يعتلون مرضا، ولوثة في العقل ينتهي بهم إلى حافة الجنون ويُحبس أكثرهم في الأديرة مشدودا بالسلاسل، ومنهم من مات مشدوخا بدمائه إثر عشقه وولهه بمحبوبته أو معشوقته ( ابنة العم)!!
وتعالوا نعش مع تلك القصة العجيبة والغريبة التي حدثت بين زوجين ابني عم، الرجل هو (غسان بن مَهضَم) من العذافر من بني يشكر، وابنة عمه ( أم عقبة بن عمرو بن الأبجر)، لم تحرمهما قبيلتهما من الزواج كما يحدث مع كثير من أبطال تلك القصص، بل تزوجا واستقرا وأمضيا عمرا طويلا أترعا فيه كؤوس الحب وأرضعا من الشوق المتبادل الشيء الكثير، كيف لا وهي ذات الجمال والعقل والعفاف، حتى كبر الرجل، ومرض مرض الموت، وحانت لحظة الوفاة التي لابد منها ونظر الرجل إلى ابنة عمه التي أحبها طوال سنوات عمره، وكأن أيام وليالي الحب التي عاشاها جعلته يفكر كثيرا كيف يموت الرجل ويترك من أحب، ثم تتزوج بغيره فيحل محله في مضجعه وقبل مضجعه قلبها هي التي أحبها وغار عليها وبخل بها على غيره دون الناس..
وفاتح الزوج زوجته قبل ساعة الرحيل- كما أخبر العتبي محدثا عن أبي سعيد عبد الله بن شبيب- قائلا لها: يا أم عقبة، اسمعي ما أقول، وأجيبيني بحق، فقد تاقت نفسي إلى مسألتك عن نفسك، بعدما يواريني التراب. فقالت: قل فوالله لا أجيبك بكذب ولأجعلنه آخر خطاب مني. فقال: وهو يبكي بكاء منعه الكلام:
أخبريني بما تريدين من بعدي والذي تضمرين يا أم عقبهْ
تحفظيني من بعد موتي لما قد كان مني من حسن خلق وصحبهْ
أم تريدين ذا جمال ومال وأنا في التراب في سُحق غربهْ
فأجابته ببكاء وانتحاب:
قد سمعنا الذي تقول وماقد خفته ياخليلُ من أم عقبهْ
أنا من أحفظ الأنام وأرعا هم لما قد أوليت من حسن صحبهْ
سوف أبكيك ما حييتُ بشجوٍ ومَرَاثٍ أقولها وبندبهْ
قال: فلما قالت ذلك طابت نفسه، وفي النفس مافيها، فقال:
أنا والله واثق منك لكن ربما خفت منك غدر النساءِ
بعد موت الأزواج يا خير من عُو شِرَ فارعَي حقي بحسن الوفاءِ
إنني قد رجوت أن تحفظي العهـ دِ فكوني إن متُ عند الرجاءِ
ثم اعتقل لسانه، فلم ينطق حتى مات، فلم تلبث بعده حتى خطبت من كل جانب، ورغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها من العقل والجمال والعفاف، فقالت مجيبة لهم:
سأحفظ غسانا على بعد داره وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشرُ
وإني لفي شغل عن الناس كلهم فكفوا فما مثلي بمن مات يغدرُ
سأبكي عليه ما حَيِيبتُ بعَبرةٍ تجول على الخدين مني وتحدرُ
وهنا يبرز الوفاء الخالص من ابنة العم لابن عمها الذي مات عنها، ويبدو أنه كان نعم الزوج لها وإلا ما عهدت له في أبياته السابقة ولا التي قبلها بأن تظل حافظة له عشرته ولاتغدر عليه وستبكيه ما بقيت بها حياة وأن دمعتها ستظل تجول على خديها متحدرة من مقلتيها، وهذا يحسب لها ..
غير أن القصة العجيبة لمن تنته عند هذا الحد، بل أخذت منحى آخر له من العجب ما يستوقفك، وتعالوا نستكمل ماقاله الراوي للقصة ، قال: فأيس الناس منها حينا، فلما مرت بها الأيام نسيت عهده، وقالت: من مات فقد فات، فأجابت بعض خطابها، وكان اسمه ( المقدام بن حبيش) فتزوجها ، فلما كانت الليلة التي أراد الدخول بها جاءها غسان في النوم، وقد أغفت، فقال لها هذه الأبيات:
غدرتِ ، ولم ترعي لبعلكِ حُرَمةًً ولم تعرفي حقا، ولم تحفظي عهدا
ولم تصبري حولا حفاظا لصاحبٍ حلفت له يوما ولم تنجزي وعدا
غدرتِ به لما ثوى في ضريحه كذلك يُنسَى كل من سكنا اللحدا
وقبل أن نجد تفسيرا قاطعا للشاعر المحب والزوج العاشق لزوجته وابنة عمه حتى بعد مماته وهو يذكرها العهد ويوبخها كثيرا على ما أسماه هو غدرا منها على قبولها زواجها وكرر كلمة ( غدرتِ) مرتين في ثلاثة أبيات، وكرر أيضا ألفاظ مثل( لم ترعي حرمة، و لم تحفظي عهدا ولم تصبري حولا، ولم تنجزي وعدا ) وهي كلمات مجلجلة أحيت بلاشك ما كان قد مات في صدرها من عهد قطعته على نفسها له ألا يمسسها بعده بشر، وأنها ستبكي عليه الدهر حزنا وأسىً، وكـان الكلمات قد هزت وجدانها وأشعرتها بمرارة الذنب وقساوة خلف الوعد، فلفتت صيحاتها ولوعتها ماكان معها في بيتها من نسائها والقريبات منها يقول الراوي: فلما سمعت هذه الأبيات انبتهت ملتاعة مستحية منه كأنه بات معها في جانب البيت، وأنكر ذلك من حضرها من نسائها، فقلن مالك وماحالك ومادهاكِ؟ فقالت: ماترك غسان لي في الحياة أربا ولابعده في سرور ورغبة، أتاني في منامي الساعة فأنشدني هذه الأبيات، ثم أنشدتها وهي تبكي بدمع غزير وانتحاب شديد، فلما سمعن ذلك منها أخذن بها في حديث آخر لتنسى ماهي فيه..
لكن هل استطعن أن ينسينها ما رأت وسمعت وحرك كوامن الحزن للحبيب الأول وللزوج العاشق لها حيا وميتا؟؟
لا، والدليل تلك النهاية المأسوية التي اختتمت بها القصة ولنسمعها من راويها كما سردها فقال:
"فغافلتهن وقامت، فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها"!!
وأمام هذه النهاية الانتحارية المزرية التي لم نجد لها تفسيرا مقبولا غير قول الرواي" حياء مما كادت أن تركب بعده من الغدر به والنسيان لعهده" .وهو تفسير لسبب الذبح وليس ذريعة بالطبع أن يكون الانتحار هو تكفير لذنبها إن اعتبرناه ذنبا وفي رأيي ليس بذنب لأنها فعلت شيئا حلالا مأمورة به وهو الزواج لكي تعف نفسها وتعيش في كنف رجل آخر بعد أن مات من مات وكما قالت من مات فات؟؟
واستفزت النهاية إحدى النساء الغافلات عنها مستنكرة أن هذا لم يسمع به أبدا، وكانت تلك المرأة شاعرة فقالت:
ماذا صنعتِ وماذا// لقيتِ من غسانِ
قتلت نفسك حزنا// يا خيرة النسوانِ
وفيت من بعد ما قد// هممت بالعصيان
إن الوفاء من اللـ //ـهِ لم ينزل بمكانِ
والأعجب موقف زوجها الذي أعجب بها وتقدم لخطبتها ولم يذق بعد عسيلتها حيث قال تعقيبا على الموقف، وعلى جملتها:" ماكان لي مستمتع بعد غسان" فقال: هكذا فلتكن النساء في الوفاء، وقل من تحفظ ميتا، إنما هي أيام قلائل حتى يُنسَى وعنه يُسَلى". أصيب بالهلاس في حبها!!
وأما قصة ابنة عم أخرى لابن عم شاعر عاشق فقد أودت بحياته بعد أن أصابه مرض( الهلاس) – وهو السل- كما رواها محمد بن سلام الرواية الشهير- وبطلها هو (عُوَيْمر العُقَيلي)، مع ابنة عمه( رَيَّا) التي تزوجها رجل غيره ورحل بها إلى بلاده، فاشتد وجد عويمر عليها واعتل عليها فدعوا له طبيبا لينظر إليه، فقال : أخبرني بالذي تجد، فرفع عقيرته فقال:
كذبتُ على نفسي فحدثتُ أنني سلوتُ لكيما ينظروا حين أصدقُ
وما عن قِلىً ولا عن ملالةٍ ولكنني أبقي عليك وأشفقُ
وما الهجرُ إلا جنةٌ لي لبستها لتدفع عني ما يخافُ ويفرقُ
عطفت على أسراركم، فكسوتها قميصا من الكتمان لا يتخرقُ
ولي عَبرتان ما تفيقان: عَبرة تفيض، وأخرى للصبابة تخنقُ
ويومان: يومٌ فيه جسم معذ بٌ عليلٌ، ويوم للتفرق مطرقُ
وأكثر حظي منكِ أني إذا سَرَتْ لي الريحُ من تلقائكم أتنشقُ
وانتهى الأمر بشاعرنا المحب الولهان بابنة عمه إلى ذهاب عقله، وكما قال الرواي للقصة: فقال المتطبب- أي الطبيب- لأهله، ومن حضره، ارفقوا به، ثم انصرف، فما مكث إلا ليالي يسيرة حتى قضَى أي مات!!
وإذا كان بطل هذه القصة قد قضى نحبه حبا وعشقا لابنة عمه فإن القصة التالية قضى بها البطلان المحبان نحبهما واحدا تلو الأخر حبا وعشقا كما روى ابن دريد عن يونس قال:
انصرفت من الحج فمررت بماوية وكان لي فيها صديق من بني عامر بن صعصعة، فصرت إليه مسلما، فأنزلني، فبينا أنا عنده، ونحن قاعدان بفنائه إذا نساء مستبشرات،ـ وهن يقلن: تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ!! فقلت: ماهذا؟ فقالوا: فتى منا كان يعشق ابنة عم له، فتزوجت، وحملت إلى ناحية الحجاز، فأنه لعلى فراشه منذ حول ما تكلم، ولا أكل، إلا ان يؤتى بما ياكله ويشربه، فقت أحب أن أراه، فقام، وقمت معه فمشينا غير بعيد، وإذا بفتى مضطجع بفناء بيت من تلك البيوت، لم يبق منه إلا خيال، فاكب الشيخ عليه يسأله، وأمه واقفة، فقالت: يا مالك، هذا عمك أبو فلان، يعودك، ففتح عينيه وأنشأ يقول:
ليبكني اليوم، أهل الود والشفق لم يبقَ من مهجتي إلا شفا رمقِ
اليوم أخر عهدي بالحياة، فقد أطلقت من رَبَقةِ الأحزان والقلقِ
ثم تنفس الصعداء، فإذا هو ميت!!
هذه نهاية البطل الذي ظل حولا لا يتكلم ولا يُتَكَلَّم ولا يأكل ولا يشرب إلا أن يؤتى له بطعامه وشرابه، ولنر ماذا كانت نهاية من أحبها يقول رواي القصة على لسان يونس: فقام الشيخ، وقمت وانصرفت إلى خبائه، فإذا جارية بضة تبكي وتتفجع، فقال الشيخ: مايبكيك فانشأت تقول:
ألا أبكي لصب شف مهجته طول السقام وأضنى جسمه الكمدُ
ياليت من خلَّف القلبَ الهَيومَ به عندي فأشكو إليه بعض ما أجدُ
أنشْرُ تُرْبِكَ أسرى لي النسيمُ به أم أنت حيث يُنَاطُُ السَّحْرُ والكبِدُ
((والسَّحر هنا يعني الرئة))..
ثم انثنت على كبدها وشهقت، فإذا هي ميتة!!!
قال يونس رواي القصة وشاهد نهاية بطليها:" فقمت من عند الشيخ وأنا وقيذ"!!
والوقيذ يعني الحزين القلب.
ولسائل يسأل: أيموت الرجل حبا وممن؟ من ابنة عم له؟
والإجابة تأتينا على لسان أبي علي الحسن بن صالح الذي روى عن مساور الوراق قوله : قلت لمجنون عندنا وكان شاعرا،وقد ذهب عقله لفقد ابنة عم له كانت له.. فقلت له يوما: أجز هذا البيت:
وما الحبُ إلإ شعلةٌ قدحتْ بها عيون المها باللحظِ بين الجوانحِ
فقال على المكان:
ونار الهوى تَخفَى، وفي القلب فعلها كفعل الذي جادت به كف قادحِ
أجدني لم أوفِ الموضوع حقه وفي الجعبة كثير من القصص الأدبية الراقية المطمورة قراءة أو سماعا لغير أهل المهنة من عشاق الأدب ودارسيه، وأرجو أن أكمل في مقال قادم ما يحتم علي الإتمام من قصص شعراء العشق والهيام مع بنات العم.
** كاتب صحفي وباحث في التاريخ الإسلامي
makhder2004@hotmail.com
نشر بالمجلة العربية | |
|
هتـــون
المساهمات : 156 تاريخ التسجيل : 01/01/2008
| موضوع: رد: عندما عميت عين الفرزدق من طينة نساء الغدير!! الخميس يوليو 31, 2008 10:49 pm | |
| قصة رائعة ... يالهم من شعراء .. أشكركــ | |
|