بالصدفة البحتة فقط تبين ان راتب رئيس زامبيا يبلغ حوالي 1341 دولاراً، عندما اكتشفت الشرطة ان ثلاثة من اللصوص تمكنوا من تحويل ما يساوي 16 شهراً من راتبه «اي حوالي 21578 دولاراً» الى حساب شخص آخر يحمل الاسم نفسه..
لكن ما هو ليس صدفة ومعلوم للجميع ان راتب احد المديرين التنفيذيين لاحدى شركات الاتصالات الأميركية يبلغ 45 مليون استرليني سنوياً مقابل 5 ملايين استرليني لرئيس شركة فودافون وهي أكبر شركة لتشغيل الهاتف المحمول في العالم، رغم ان شركته منيت بأكبر خسائر من نوعها في العام الماضي.
هذا الفارق الضخم بين الراتب الضئيل لرئيس والراتب الخرافي لرئيس شركة ذكرني بمقولة صحفي صديق مفادها: «أن تكون مواطناً أميركياً أو أوروبياً خير من أن تكون رئيساً افريقياً»!! والأمر بطبيعة الحال لا يتعلق فقط بحجم الراتب، بل بمئات الفوارق والاختلافات بدءاً من حجم المعاملة في المطارات طبقاً لجنسية جواز السفر ونهاية بالمعاملة الآدمية للشخص في بلده أو أي مكان بالعالم.
ومثلما أن هناك فارقاً كبيراً بين الولايات المتحدة وبوركينا فاسو على سبيل المثال في مستويات المعيشة، فالفوارق موجودة وبحدة بين رواتب الرؤساء والقادة وكبار المسئولين وتختلف من بلد لآخر، بعضها يثير الضحك لكن غالبيتها تثير الغثيان!
بالطبع هناك فارق كبير بين راتب الشخص الذي يتقاضاه نظير شغله وظيفة ما حتى لو كان رئيساً لأقوى دولة بالعالم، وبين الثروة الشخصية التي يحققها شخص ما من عائد عمله ونشاطه التجاري الخاص.
كثيرون على سبيل المثال يعتقدون ان جورج بوش وبحكم كونه رئيس أقوى وأغنى دولة يحصل على الراتب الأكبر بين نظرائه من رؤساء وقادة الدول، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً فهو يتقاضى 400 ألف دولار في العام بعد ان كان راتب الرئيس الأميركي هو 200 ألف دولار سنوياً حتى عامين مضيا، لكن يبدو أن شظف العيش ومصاريف المدارس ورسوم الماء والكهرباء دفعت الكونغرس الى رفع الراتب للضعف!
في المقابل فإن رئيس وزراء سنغافورة يتقاضى راتباً أعلى بكثير من بوش حيث يحصل على مليون دولار سنوياً، يليه رئيس الوزراء في هونغ كونغ ويحصل على 800 ألف دولار، والاثنان هما الأعلى في قائمة رواتب رؤساء الدول والمسئولين، في حين أن رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي يحصل على 307 آلاف دولار، والطريف أن وزير ماليته ماساجورو ثيوكاوا يبلغ راتبه 415 ألف دولار.
ومن آسيا إلى أوروبا فإن توني بلير رئيس الوزراء البريطاني هو الأعلى راتباً في القارة حيث يحصل على حوالي 262 ألف دولار سنوياً.
ولان الدنيا حظوظ وكما انه لا يشترط ان تكون رئيس أقوى دولة لتحصل على الراتب الأعلى فليس شرطاً ايضاً ان تكون رئيساً لأكبر دولة من حيث عدد السكان لتحصل على الراتب الأكبر فراتب الرئيس الصيني لا يزيد سنوياً على 27 ألف يوان أي حوالي 3262 دولاراً، اضافة الى مكافأة تعادل راتب شهر.
أما رئيس وزارته فيحصل على راتب أقل من ذلك بكثير ما دفعه ذات مرة وبعد ان فاض به الكيل لاخراج حافظة نقوده في اجتماع عام لمجلس الوزراء قائلاً ان راتبه يبلغ ألفي يوان ومعنى ذلك ان راتب أسوأ لاعب في دوري درجة عاشرة بالوطن العربي او افريقيا يعتبر أعلى بكثير من راتب الرئيس الصيني ومجلس وزرائه مجتمعين!!
ولا يختلف حال رواتب كبار المسئولين في الصين عن دول كثيرة فالرئيس الفيتنامي مثلاً يتقاضى 1650 دولاراً ورئيس وزارته 1640 دولاراً وأعضاء الحكومة 1350 دولاراً (لاحظتم ان هناك فرقاً قدره عشر دولارات فقط بين راتب الرئيس ورئيس الوزراء ثم الوزراء، ربما لحفظ المقامات!).
الحال يختلف قليلاً في الفلبين حيث يبلغ راتب الرئيسة غلوريا ارويو 24 ألف دولار ورواتب وزرائها 9600 دولار، وحسب بعض الخبثاء فإن الرئيس السابق جوزيف استرادا اضطر لاختلاس 80 مليون دولار خلال فترة منصبه لمواجهة أعباء الحياة والراتب المنخفض!
الأمر نفسه في تايلاند حيث يبلغ راتب رئيس الوزراء 32188 دولاراً وراتب الوزير 30 ألف دولار، لكن في أندونيسيا فإن راتب الرئيس لا يزيد على 1900 دولار، هذه الرواتب المنخفضة قد تقود إلى مآزق ومواقف محرجة لبعض الرؤساء مثلما حدث مع الرئيس الارجنتيني الأسبق كارلوس منعم الذي كان يتقاضى 2200 دولار، وفوجئ بأن احدى المحاكم حكمت لصالح مطلقته سليمة بنفقة قدرها 185 ألف دولار، او مثلما حدث لأحد رؤساء كوريا الجنوبية السابقين حينما فكر في احتراف الغناء لزيادة دخله.
هذا النوع من الرؤساء يستحق الشفقة بل ويحتاج «الحسنة»، وفي مقابله نوع آخر من الرؤساء والمسئولين يملكون من المال ما تعجز الجبال عن حمله، بين هذا النوع الاخير الملكة اليزابيث حيث تقدر ثروتها بحوالي 16 مليار دولار شاملة التاج والجواهر الملكية.
هناك أيضاً وعلى ذمة تصنيف مجلة «فوربس» التي تنشر ثروات الأغنى في العالم كل عام وتدققها بصورة رسمية حسن بلقية سلطان بروناي بثروة تبلغ 36 مليار دولار تضعه الثالث في قائمة أغنى أغنياء العالم بعد بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت (حوالي 60 مليار دولار) ثم وارن بافيت رئيس مجموعة تشارير للاستثمارات (حوالي 37 مليار دولار) وتورد «فوربس» أيضاً ان ثروة رفيق الحريري تبلغ 8,3 مليارات دولار تضعه في المرتبة 83 بين قائمة الأغنى في العالم.
في قائمة أغنى أغنياء العالم ايضاً من بين الرؤساء سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي حيث يحتل المرتبة رقم 14 بثروة تقدر بـ 9,5 مليارات دولار بدأ جمعها من الصفر وانتهى مستثمراً في كل شيء من التجارة والمقاولات إلى ملكية وسائل الاعلام واشهر الأندية الكروية في بلاده، ما دفع أحد معارضيه للقول بأن قصة صعود برلسكوني تثبت احدى حقائق العولمة الراسخة وهي انه عندما تكون لك قوة اقتصادية واعلامية ضخمة فإنك تكسب السياسة بشكل تلقائي!
لكن هل الراتب الأعلى للرئيس او المسئول الكبير يحد من درجة فساده، وهل يشترط ان يكون الرئيس غنياً بالفعل من عمله الخاص كضمان لعدم سرقة أموال الشعب؟!
السؤال بالإيجاب طرحه قبل فترة مايكل باكمان عالم الاقتصاد الاسترالي الذي يرى علاقة مباشرة بين الادارة المحترفة والازدهار الاقتصادي من جهة وبين ارتفاع مرتبات المسئولين الكبار من جهة أخرى كشرط لازم لمكافحة الفساد لكن خبيراً أندونيسياً تخصص في مكافحة الفساد في أندونيسيا نفى هذه العلاقة بقوله ان كثيراً من المسئولين يتقاضون رواتب عالية تجعلهم يعيشون حياة رغيدة، لكن درجة فسادهم لم تتوقف!
قد يسأل سائل وأين هي مرتبات الرؤساء والمسئولين العرب؟ سؤال منطقي، لكن من قال ان المنطق هو الذي يحكم حياتنا، اذا كان المنطق غائباً عن قضايا تخص مستقبلنا، فهل يحضر هذا المنطق لنعرف نحن المواطنين العرب الغلابة كم يتقاضى مسئولونا؟!
المسألة تتعلق أولاً وأخيراً بوجود دولة المؤسسات والشفافية وحكم القانون واذا كنا معظم العرب نصب جام غضبنا ليل نهار على رؤساء أميركا بفعل سياستهم المناهضة لنا، فلا نستطيع انطلاقاً من الحد الأدنى من الموضوعية سوى الاشادة بما يفعله اي رئيس أميركي من الذهاب في 15 ابريل من كل عام لتسديد مستحقاته الضريبية، ذاكراً ما دخل جيبه بالسنت.
بوش على سبيل المثال سدد العام الماضي 241 ألف دولار ضرائب مقابل ما ربحه من عمله الخاص في عامه الأول بالرئاسة هو وزوجته لورا وقدره 895 ألف دولار مقابل 1,36 مليون دولار ربحها نائبه ديك تشيني وزوجته لين سدد عنها 3,14 مليون دولار ضرائب ليسجل دخلاً يزيد أربعين ضعفاً عما ربحه بوش عام 2001!
عندما لا يستطيع رئيس أقوى دولة في العالم الافلات من الذهاب إلى مصلحة الضرائب لسداد ما هو مستحق عليه باعتبار ان الضرائب عندهم مثل «الموت» لا يمكن التملص منها، وعندما يصبح فن التهرب من تسديد الضرائب في عالمنا العربي والثالث هو الأصل، لكم ان تتخيلوا لماذا لا نعرف حجم مرتبات وثروات معظم كبار مسئولينا، نعرفها فقط هي وحجم ما تم نهبه عندما يتم اقالته في فضيحة كبرى ككبش فداء حتى تستمر دائرة السرقة!
ذات يوم قال مسئول عربي كبير انه لا يتقاضى راتباً من الدولة نظير عمله المهم والخطير في خدمة الشعب والجمهورية، وأنه يقوم بتوزيع هذا الراتب على السعاة داخل مكتبه، فعلق أحد الخبثاء في سره هامساً ومتسائلاً: ولماذا يأخذ هذا الراتب الرسمي الضئيل طالما انه يملك كل خزينة البلد.. انه حقاً حرامي مودرن!! [/b]