فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!! الخميس مايو 01, 2008 1:22 pm | |
| مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!!
منير عتيبة
الإبداع فى المشرق العربى، والنقد مغربى: خطأ شائع!! فالإبداع والنقد موجودان فى كليهما، لكن التواصل شبه غائب، ومعرفة كل منهما بالآخر غير تامة، وفى هذا المقال نحاول أن نلقى الضوء على رواية مهمة رغم أنها ليست حديثة الصدور، من أدب شبه مجهول فى معظم أرجاء الوطن العربى هو الأدب الموريتانى، لعلها تكون بداية لنهتم أكثر بأن نعرف إبداع بعضنا البعض.
رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتانى موسى ولد أبنو، (ط.أولى سنة 1996م- دار الآداب ببيروت)
فى الرواية سمات واضحة من أدب الخيال العلمى، ورواية الرحلة، والرواية الغرائبية، والرواية الفلسفية، ورواية الأمثولة "أوليجاركية"، لكنك لا تستطيع أن تنسبها إلى أى شكل من تلك الأشكال الروائية، لأنها استطاعت أن تكون مزيجا من كل تلك الأشكال، لتعطى شكلا متفردا لرواية تستحق القراءة دون فكرة مسبقة تحصرها فى شكل أدبى بعينه.
الرواية رحلة فى الزمان والمكان معا، رحلة شخص وقع فى أسر العبودية طفلا، فكره الظلم الإنسانى، ثم كره الجنس البشرى نفسه، وقد استطاع الكاتب أن يبنى روايته ببراعة لتعبر بنائيا عن فكرته الأساسية. فقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هى "برج السوداء"، و"برج البيضاء"، و"برج التبانة"، وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية فى الزمان، فالقسم الأول يعبر عن العصور المظلمة، عصور استعباد الإنسان الصريح لأخيه الإنسان، والقسم الثانى عن عصر النهضة الأوروبية حيث استطاع الإنسان الأبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشرى، والقسم الأخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية. كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يتكون من مقدمة وخمسة فصول، وهى عبارة عن رحلة فى المكان، ينتقل خلالها البطل من مكان لآخر فى نفس العصر. وقد لعب الكاتب على اتجاهين مختلفين فى تناول التاريخ، أحدهما يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فنجد الشخصية الرئيسية فى الرواية "فارا" ينتقل من عصر لعصر ليجد أنه لا شئ تغير فى طبيعة البشر وظلمهم لبعضهم البعض، كما يستخدم الكاتب أسلوب الحلقة الروائية ليبدأ الرواية من نقطة وينتهى بها عند نفس النقطة، كما يبدأ انتقال البطل من عصر لعصر بنفس الطريقة بل ويعيد استخدم نفس الوصف فى هذه الحالة والذى يستغرق حوالى صفحتين يكررهما الكاتب لتأكيد فكرته عن إعادة التاريخ لنفسه وبالتالى عدم وجود الأمل فى شئ أفضل، لكنه فى الوقت نفسه يكتشف مع بطله أن الإنسان يطور وسائل الشر بشكل لا يمكن أن يخطر ببال، وهو هنا يستند إلى الفكرة القائلة أن التاريخ يسير فى خط مستقيم إلى الأمام، وهذا السير إلى الأمام لا يعنى بالضرورة إلى الأفضل، بل غالبا –وهنا يرى الكاتب أنه دائما- العكس.
برج السوداء
يعثر بعض الباحثين على جثة مدفونة على عمق سبعة أمتار فى قمة جبل، يخضعون جمجمة الجثة لبعض الاختبارات والتحاليل، ويوصلونها بالحاسب الآلى، لنبدأ قراءة أفكار ومشاعر هذه الجثة التى عاشت فى الفترة من 1034-2055م!! | |
|
فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: رد: مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!! الخميس مايو 01, 2008 1:23 pm | |
| تستولى قافلة تجار الملح على الغلام "فارا" مقابل لوح من الملح يأخذه أبوه، وترحل القافلة حيث يقدم الكاتب وصفا أنثروبولوجيا للرحلة بما فيها من سادة وعبيد وجمال، وما يواجهونه من عقبات بيئية أو مشاكل صحية، وكيف يداوون مرضاهم بالأعشاب والتعاويذ، وكيف يحملون البضائع على ظهور الجمال، وكيف يتحركون فى منخفضات الصحراء ومرتفعاتها وقد ربطوا العبيد من أعناقهم، ثم صفوا الجمال وبينها العبيد كسلسلة متصلة. ثم يصلون إلى مدينة أودافوست حيث يُعرض "فارا" فى سوق العبيد.. ويشتريه رجل اسمه "ازباعره" فيساعده "فارا" فى تأسيس مدرسة بالمسجد لمذهب الإباضية، وفى المدرسة يتعلم "فارا" اللغة العربية، ويحفظ القرآن وتفسيره، ويعى المناظرات الكلامية والفلسفية. يكتشف أهل أودافوست أن آبار المدينة جفت، يصلون صلاة الاستسقاء، وفى نهاية الصلاة يفاجئون برجل دميم يخطب فيهم منددا بهم لاسترقاقهم المسلمين رغم ادعائهم الإسلام، وتعاليهم، وتكالبهم على الدنيا.. يتعرف "فارا" على أمة جميلة "فاله"، ويشاركان فى التحضير لثورة العبيد التى تفشل لوشاية بعضهم ببعض، ويلقيه سيده فى بئر الكنيف ليعاقبه، يأتيه الرجل الدميم "إذا كنت ترفض القدر، فاهرب من البشر، والجأ إلى الصحراء، وانتظر أمر ربك". فيهرب إلى منطقة "تنين الرمال" التى يعتبرونها موطنا للجن وأن النجاة من تيهها نادر الحدوث.
فى هذا القسم من الرواية نستمع إلى صرخات "فارا" المطالبة بالمساواة معلنا كراهيته المطلقة للبشر واحتقاره لهم "هذه الرمال النقية، السابحة فى الضوء، كان يمكن أن تكون ذات جمال مطلق، لو لم تكن ملوثة بهذا البشر". | |
|
فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: رد: مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!! الخميس مايو 01, 2008 1:23 pm | |
| برج البيضاء
ينفرد "فارا" بنفسه فى الصحراء، يصلى ويتعبد، وينفد ماؤه وطعامه حتى يشرف على الهلاك، تهبط سحابة تحييه بمائها، ويرى "الخضير". يطلب "فارا" من الخضير أن يعيده إلى العدم ليكفر عن ذنب وجوده، يخبره الخضير أن هذا مستحيل، لكنه يمنحه فرصة السفر إلى المستقبل، له أن يختار محطة مستقبلية ليعيش فيها، وإذا لم تعجبه يختار أخرى، لكن الثانية ستكون الأخيرة وسيموت فيها.
تعثر قافلة الباحث الأثرى الأوروبى "فوستباستر" وعشيقته السوداء "فاله" على "فارا" الذى يلاحظ أحوال القافلة باندهاش، لكنه لا يستطيع الإجابة عن أسئلة الباحث الأثرى؛ من هو ومن أين وإلى أين؟؟. أكثر من تسعة قرون تفصل بين الزمن الذى تدور فيه أحداث "برج السوداء" وأحداث "برج البيضاء". "فوستباستر" يبحث عن أطلال مدينة أودافوست التى اختفت تماما، فى الحلم يتذكر "فارا" أودافوست ويتحدث عنها بالتفصيل، لكنه فى اليقظة لا يتذكر شيئا. تصل قافلة الباحث الأثرى إلى مدينة تجفجه فتجد آثار معركة بين المستعمرين والأهالى، وقد قام قائد الحصن بتعليق وجهاء المدينة ليعترفوا بمكان الثوار الذين يسميهم إرهابيين والذين قتلوا القائد السابق للحصن. يشعر "فارا" أنه يدور فى دائرة جهنمية، وأن الزمن الذى انتقل إليه ليس بأفضل من الزمن الذى هرب منه. فيهرب مرة أخرى إلى خلوة ينتظر فيها أمر ربه. | |
|
فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: رد: مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!! الخميس مايو 01, 2008 1:25 pm | |
| برج التبانة
ينتقل "فارا" إلى سنة 2045م، ليجد نفسه أمام مركز لتخزين النفايات السامة، وقد أصبحت البلاد ملكا لأبنائها، وحاكمها "تنفل" أحد أحفاد "فارا" و"فاله"، والذى حول البلاد إلى مقلب زبالة نووية، مقابل المكاسب التى يحصل عليها هو وحاشيته، والعاصمة هى مدينة الرياح، المآل الأخير للشر البشرى الذى أصبحت معه "الكرة الأرضية مصنفة الآن من قبل النظام العالمى مستودعا للقمامات على مستوى المجموعة الشمسية". يعمل "فارا" إجباريا فى مركز النفايات السامة، ثم يهرب من المركز. وفى مدينة "اطويل" يتعرف إلى "فاله" المغرمة بالطبيعة، والتى هربت من مدينة الرياح المجللة بالغبار المشبع بالإشعاعات النووية. "فاله" لديها ابن منعوها من اصطحابه لأنه لم ينه دراسته الإجبارية، وعندما حاولت اختطافه مرتين وضعوها فى السجن، وهى مستعدة لدفع حياتها ثمنا لإنقاذه من مدينة الرياح. يشارك "فارا" "فاله" فى عملية مقاومة لاصطياد سائقى شاحنات النفايات النووية، فيتم القبض عليهما. بعد أشهر من سجنه يعلم "فارا" أن "فاله" عادت إلى مدينة الرياح، وأنها ستتزوج الحاكم لتأمين مستقبل ابنها، ويتم الحكم على "فارا" بالإعدام فى نفس المكان الذى بدأ فيه خلوته الأولى، وقد تيقن من أن نبوءة الخضير آتية لا محالة "لو واصلت السير فى المستقبل، فإنك ستجد الأرض وقد أصبحت كومة رماد، والشمس وقد انطفأت". | |
|
فاطمه سعد الدين الادارة
المساهمات : 223 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: رد: مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر!! الخميس مايو 01, 2008 1:26 pm | |
| الظلم مستمر.. والثورة أيضا
رغم مقت الكاتب للظلم الإنسانى، ووصفه للعبودية الصريحة، ثم الاستعمار الأجنبى، ثم استعباد الحكام المحليين لبلادهم، إلا أنه اضطر أن يصف الوجه الآخر من الصورة، وهو التمرد والثورة، حتى وإن لم تكتمل تلك الثورة وتؤتى ثمارها، فالعبيد حاولوا التحرر، والثوار حاول القضاء على المستعمر، وأنصار البيئة يحاولون مقاومة زرع مراكز النفايات النووية فى بلادهم، فالظلم مستمر وقوى وجبار، لكن الثورة مستمرة أيضا مهما تكن وسائلها ضعيفة وأنصارها قلة، وهذا ما يمنح شعاعا من الأمل فى ليل اليأس الطويل من البشرية التى لا يرجو الكاتب منها خيرا.
الضمائر واللغة
فى الصفحات 7و8 والسطور الثلاثة الأخيرة من الرواية نجد صوت الراوى العليم الذى يتحدث عن كيفية العثور على الجثة، وتوصيل الجمجمة بالحاسب الآلى، ثم كيف أصبحت كل حياة "فارا" شريطا محفوظا فى المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشرى.
لكن الراوى الأساسى فى الرواية هو "فارا" الذى يتحدث بضمير الأنا، وهو سارد غير عادى، لأنه سارد عليم، فهو يسرد وقائع حياته وأفكاره ومشاعره وتنقلاته عبر المكان والزمان، لكنه فى الوقت نفسه ميت، والحاسوب هو الذى يقرأ كل ذلك من خلال ذاكرة جمجمته، وهذا السارد أعطى الكاتب فرصة جيدة للتغلغل فى أفكار "فارا" ومشاعره، ليصفها، ويحدد منابعها، وأسبابها، ويحللها، رابطا إياها بصيرورة تاريخ الجنس البشرى، الذى لم يكن أكثر من تطور أساليب الشر.
وفى الرواية سارد آخر هو "فوستباستر" الذى استخدمه الكاتب ليكتب رواية قصيرة داخل الرواية الأساسية التى يحكيها "فارا"، ليلقى الضوء على حياة "فاله" التى شاركت "فارا" جميع سفراته عبر الزمان بنفس الاسم وإن كانت بأشكال مختلفة. وهنا يستخدم السارد ضمير المخاطب.
كما استطاع الكاتب أن يلون استخداماته للغة السرد حسب مقتضيات الحال، فجاءت اللغة وصفية مباشرة عندما يقدم مشهدا واقعيا، أو يصف وقائع تهم الباحث الأنثروبولوجى والاجتماعى، وكانت لغته أقرب إلى التصوف عندما يستبطن مشاعر "فارا" فى خلوته التى ينتظر فيها أمر ربه، وهى لغة ذات نَفَس فلسفى واضح عندما يعلن "فارا" رأيه فى الجنس البشرى وملاحظاته عنه.
ملاحظات سردية
رغم الوعى الشديد الذى كتب به المؤلف روايته إلا أنها لم تسلم من بعض الملاحظات التى أعتبرها غير هينة. فصوت الكاتب يظهر فى بعض مواطن الرواية معطيا معلومات أو وصف لا نتخيل أن الشخصية التى تتحدث تعرفها، أو تناسب ثقافتها، فهى بالأحرى نابعة من ثقافة الكاتب نفسه، كأن يشبه "فارا" نفسه بآليس فى بلاد العجائب.
وعندما يقدم الكاتب "تالوثان" رئيس القافلة المتجهة إلى أودافوست فى صفحتى 20و21 تظن أنه يقدم شخصين وليس شخصا واحدا، فى ارتباك سردى واضح.
الأهم من ذلك أن الكاتب يأتى بحكاية فرعية عن تالوثان لا تضيف شيئا للرواية بل تعوق سيرها (ص28 إلى ص32) ويقع الكاتب فى خطأ سردى كبير، لأن الرواية التى نقرأها عبر الحاسوب من ذاكرة جمجمة "فارا" لا يمكن أن يوجد فيها خط سردى لما يدور فى ذهن "تالوثان | |
|